دور مواقع التواصل الاجتماعي في التغيير





د. بشرى جميل الراوي

قدمت النظريات والدراسات الإعلامية كثيراً من الاجتهادات حول مفهوم الإعلام الاجتماعي ودائرة التأثير، ومنها نظرية التسويق الاجتماعي التي تتناول كيفية ترويج الأفكار التي تعتنقها النخبة في المجتمع، لتصبح ذات قيمة اجتماعية معترَف بها.
ووفّر ظهور شبكات التواصل الاجتماعي فتحاً ثورياً، نقل الإعلام إلى آفاق غير مسبوقة، وأعطى مستخدميه فرصاً كبرى للتأثير والانتقال عبر الحدود بلا قيود ولا رقابة إلا بشكل نسبي محدود. إذ أوجد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي قنوات للبث المباشر من جمهورها في تطور يغير من جوهر النظريات الاتصالية المعروفة، ويوقف احتكار صناعة الرسالة الإعلامية لينقلها إلى مدى أوسع وأكثر شمولية، وبقدرة تأثيرية وتفاعلية لم يتصوّرها خبراء الاتصال.
وإن الخبرة والتسهيلات الجديدة التي وفرها الإنترنت في مجال التنظيم والاتصال والإعلام غيرت المعادلة القديمة التي كانت تضطر قوى التغيير إلى الاعتماد على دعم دول أخرى في نضالها السياسي، كما كان الحال في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين.
لذا فإن حركات الإصلاح والتغيير في عالمنا العربي والإسلامي مدعوة اليوم إلى الاستفادة من ثورة الإنترنت إلى أقصى الحدود، في مجالات التنظيم والإدارة والاتصال والإعلام والنضال السياسي وغير ذلك من جوانب معترك الحياة، فهل نستوعب المدلول التاريخي لثورة الإنترنت؟.
وإسقاطاً على التجارب العالمية في الحالتين "التونسية والمصرية" تقوم وسائل الإعلام وَفْق نظرية التسويق الاجتماعي بإثارة وعي الجمهور عن طريق الحملات الإعلامية التي تستهدف تكثيف المعرفة لتعديل السلوك بزيادة المعلومات المرسلة، للتأثير على القطاعات المستهدَفة من الجمهور، وتدعم الرسائلَ الإعلامية بالاتصالات الشخصية، كذلك الاستمرار في عرض الرسائل في وسائل الاتصال، عندها يصبح الجمهور مهتماً بتكوين صورة ذهنية عن طريق المعلومات والأفكار، وهنا تسعى الجهة القائمة بالاتصال إلى تكوين صورة ذهنية لربط الموضوع بمصالح الجمهور وتطلعاته. وفي خطوة لاحقة تبدأ الجهة المنظمة بتصميم رسائل جديدة للوصول إلى نتائج سلوكية أكثر تحديداً كاتخاذ قرار، ثم تأتي مرحلة صناعة أحداث معيَّنة لضمان استمرار الاهتمام بالموضوع وتغطيتها إعلامياً وجماهيرياً، ثم حثِّ الجمهور على اتخاذ فعل محدد معبِّر عن الفكرة، عن طريق الدعوة لتبنِّي الأفكار التي تركز عليها الرسائل الاتصالية. اذن من يصنع التغيير: إن السؤال الذي يجب الإجابة عنه بعد تكرار المشهد التونسي في مصر وتوسع طلس الانتفاضات الشعبية العربية" هو: هل تلعب وسائل الإعلام، دوراً داعماً في التغيير الاجتماعي عن طريق تقوية المجال الجماهيري؟.

المقدمة
إن ظهور مواقع التواصل الاجتماعي* وفرت "فتحاً تاريخياً" نقل الإعلام إلى آفاق غير مسبوقة وأعطى مستخدميه فرصاً كبرى للتأثير والانتقال عبر الحدود بلا رقابة إلا بشكل نسبي محدود. وابرز حراك الشباب العربي الذي تمثل بالثورات التي شهدتها بعض الدول العربية قدرة هذا النوع من الإعلام على التأثير في تغيير ملامح المجتمعات، وإعطاء قيمة مضافة في الحياة السياسية، وانذار لمنافسة الإعلام التقليدي.
استخدم الشباب في بداية الأمر مواقع التواصل الإجتماعي للدردشة ولتفريغ الشحن العاطفية، ولكن يبدو أن موجة من النضج سرت، وأصبح الشباب يتبادلون وجهات النظر، من أجل المطالبة بتحسين إيقاع الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية ومن هنا تشكلت حركات الرفض الشبابية التي إنتظمت في تونس مروراً بمصر واليمن وليبيا والبحرين والأردن. وتخطت تلك الأفكار الرافضة للسياسات بسهولة عبر شبكات التواصل الإجتماعي الوطن العربي.
واستخدم كبار الشخصيات هذه الوسائل الجديدة واقتطعوا وقتاً معيناً من الأنشطة الأخرى لصالحها، لإيمانهم بأنها البوابة الحقيقة والجادة للتواصل وسماع الناس والمواطنين، وبهذا سيتغير المشهد الإعلامي قريباً بشكل واضح للعيان في عالمنا العربي.
ولهذا تثير علاقة مواقع التواصل الاجتماعي بالإعلام إشكاليات عدة، لايمكن اختزالها في الابعاد التقنية المستحدثة في مجال البث والتلقي، إذ تجعلها عاملاً محدداً للتحولات الثقافية وتستبعد أنماط التواصل الجديدة. ولهذا سيعتمد بحثنا على المفاهيم النظرية القادرة على تحليل الاشكال الإمبيريقية* لمواقع التواصل الاجتماعي، بالاعتماد على نماذج الاتصال، لفهم الظاهرة كحقل تتفاعل فيه التقنية والتواصل كعملية اجتماعية معقدة، وايضاً من منطلق مقاربة خصوصيته كممارسة إعلامية، أفرزتها الوسائط الإعلامية الجديدة التي تعمل داخل بيئة تواصلية متغيرة تسهم في تشكيلها تقنيات المعلومات والاتصال. وتستعرض الدراسة مجموعة من التعريفات، وتحليل الرؤى النظرية التي اتيح للباحثة الاطلاع عليها، التي يتم تداولها لدى المتخصصين في هذا المجال. ونصل بعد ذلك الى جملة من الخلاصات لمجموعة الرؤى المطروحة عن مواقع التواصل الاجتماعي وعن مداخل* فهمه.


* هناك تداخل بين مفهوم مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد، والإعلام البديل، والإعلام الاجتماعي،  ومن الممكن إن يحل المفهوم الأول محل الثاني والثاني محل الأول، وهكذا والتفاصيل في ثنايا متن البحث.
* الامبيريقية: تعني ان المعرفة قائمة على التجربة المباشرة او الملاحظة التي تقوم على ما تدركه الحواس وحدها، وان كل قول لايمكن فحصه عن طريق الحواس لاقيمة له.
نقلاً عن: د. عبد الغني عماد،((سوسيولوجيا الثقافة- المفاهيم والإشكاليات من الحداثة إلى العولمة))، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية،2006م، ص
* يشير مصطلح المدخل إلى نظرية لم تستقر بعد، وذلك كي يتمكن الباحثون من الرجوع إليها في أي وقت وأي مجتمع لتفسير العلاقات القائمة بين متغيرات ظاهرة ما، ويعد الاستقرار صعبا في العلوم الإنسانية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نشأة وتطور الخدمة الاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية

الخدمة الإجتماعية في مجال رعاية الفئات الخاصة - ذوي الاحتياجات الخاصة

وفد ألماني يزور مدينة الثقافة والعلوم بالسادس من اكتوبر قريبا .